ابن سلمان يرث “فساطيط” البغدادي.. وترامب يستثمر

12

محمد الحسيني

اشتهر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعبارته المشهورة في حديثه عن تقسيم العالم بعيد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 حيث قال: "إنّ هذه الأحداث قسّمت العالم بأسره إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط كُفْر"، ولاحقاً استعاد أبو بكر البغدادي العبارة نفسها في وصف الحرب التي ترعاها "الخلافة المزعومة" ، حيث قال: "العالم اليوم مقسوم إلى فسطاطين اثنين، وخندقين اثنين. فسطاط إيمان، وفسطاط كفر ونفاق"، واليوم يستعيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الخطاب نفسه، ولكن بصياغة أمريكية تتماهى مع خطاب جورج بوش الابن بعيد الهجمات الجوية الانتحارية على برجي التجارة العالمية حين قسّم العالم بدوره إلى محورين: محور الحرية والديمقراطية ومحور الشر.

وقبل الدخول في ما قاله ابن سلمان حول مقولة الفسطاطين، قام صاحب الفستق السعودي، وعلى الرغم من إبدائه الاستياء من الإهانة التي تعرّض لها خلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإغداق على الولايات المتحدة الأمريكية بعشرات المليارات الإضافية من الدولارات لقاء صفقات السلاح والعتاد العسكري، وأمّن عشرات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين، وفي المقابل حرص على إظهار ترفه الباذخ مرة جديدة، فعلى سبيل المثال استأجر ابن سلمان منزلاً يملكه نجّاد فارس (ابن الوزير اللبناني السابق عصام فارس) في هيوستن لمدة ستة أيام، ودفع أجرته ما قيمته ستة ملايين دولار بواقع مليون دولار يومياً، وعمد إلى استبدال كامل أثاث المنزل واشترى أثاثاً جديداً من الطراز الفاخر، كما استأجر خمسمئة سيارة للوفد المرافق وفريق الحماية الأمنية التابع له مقابل 500$ يومياً للسيارة الواحدة، أي ما يوازي مليون و500 ألف دولار على مدى ستة أيام، فهل هكذا يحارب بن سلمان الهدر والفساد في السعودية؟.

"فسطاط الايمان" أو "محور الشر" وهو في اعتبار ابن سلمان يتمثّل في مثلث: إيران، الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية، وهذا ليس جديداً في أدبياته السياسية التي دأب على تكرارها في السنتين الأخيرتين، ولكنه في حديثه الأخير المطوّل إلى مجلة "ذا أتلانتيك" وضع نفسه والسعودية في موقع المواجهة ورأس الحربة لإسقاط "مشروع الامبراطورية الإسلامية" الذي يسعى هذا المحور إلى تحقيقه، وهو بذلك استناب عن الولايات المتحدة وأوروبا والغرب كله في القتال ضد هذا المحور، مستنداً إلى حديثه عن السعي لامتلاك قنبلة نووية وإلى تصريحات مسؤولين سعوديين آخرين عن امتلاك صواريخ صينية عملاقة قادرة على تدمير طهران بضربة واحدة، ولم يغفل ابن سلمان عن ربط هذه المواجهة بمفهوم عقائدي يتصل بالفكر الشيعي حول ولاية الفقيه وظهور الإمام المهدي (ع) ليسبغ على "المواجهة" صفة الصراع الديني بين السنة والشيعة.

لم يكن ربط ابن سلمان بين إيران والأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وداعش سوى تكرار لمقولة أمريكية – إسرائيلية سعت منذ حوادث ما سمّي بالربيع العربي إلى الترويج لها تحت شعار محاربة الإرهاب، ولكن الجديد في حديث الأمير المتحمّس للوصول الى العرش أنه حاول إرساء تشكيل كيان مضاد يضم كلاً من السعودية ومصر والأردن والبحرين وعمان والكويت والإمارات العربية المتحدة واليمن، وعمل على تنصيب نفسه متحدثاً باسم هذا الكيان العربي – الخليجي بأنه يسعى إلى الدخول في منظومة الدول الحرة وفق المفهوم الأمريكي، والتي تسعى إلى إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط في إطار شرعة الأمم المتحدة، ولم يأتِ على ذكر قطر وسوريا والعراق ولبنان ضمن هذا المحور، باعتبار أن لإيران نفوذاً فيها، وبالتالي فقد أصبحت هذه الدول بشكل وبآخر ضمن محور الشر الذي يجدر مواجهته والقضاء عليه.

تنكّر ابن سلمان في مقابلته لأصول مملكته فأنكر وجود ما يسمّى بالوهابية كإيمان ومعتقد، وهذا التنكّر لم يكن تهرّباً من أسئلة الصحافي الأمريكي – اليهودي جيفردي غولدبرغ بقدر ما كان إشارة إلى ما سيأتي في المرحلة المقبلة من عمر المملكة السعودية الجديدة، واندفع قدماً لينطق بما اختزنه في باطنه طويلاً، وانتهز فرصة وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية ليفصح عن رؤيته إزاء "صفقة العصر"، التي ستقود تالياً إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار إقامة دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، وكل ذلك وفق مقولة التعايش السلمي والحق لليهود في أن يكون لهم وطن خاص بهم وعدم معاداة السامية، وفات على غولدبرغ أن يسأله رأيه في مهزلة الإبادة النازية لليهود، وبقي على ابن سلمان أن يزور الأراضي الفلسطينية المحتلة ويضع القلنسوة على رأسه ويتلو فقرات التلمود أمام "نصب يادفاشيم".

لم يخفِ ابن سلمان تورّطه في التدخل في الشؤون الداخلية التخريبية لعدد من الدول العربية، وكان صريحاً في الحديث عن نيته التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية حيث قال بالفم الملآن: "نحن نقوم بردع هذه التحركات الإيرانية.. لقد قمنا بذلك في أفريقيا وآسيا وماليزيا والسودان والعراق ولبنان واليمن"، منذراً بسيناريو حرب محتملة في الشرق الأوسط، إلا أنه لم يتردد في إبداء الخوف من هذه الحرب لأن السعودية لا يمكنها أن تتحمل خطر الحرب إذا ما وقعت، وبما أن هذه هي الحال التي يقرّ بها ابن سلمان فعلامَ يعتمد في مواقفه التصعيدية؟ لا شك أنه يراهن على دور عسكري أمريكي يقلب المعادلة في المنطقة، وهو مستعد أن يفرغ خزائن المملكة السعودية ليصل إلى هذا الهدف، وهو ما يدركه ترامب ويلعب على وتره جيداً، بعكس المسؤولين الأمريكيين الآخرين، حيث سارع – وقبل أن يغادر ابن سلمان واشنطن – للإعلان عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولكنه عاد وقال: "إذا أرادت السعودية ألا نسحب قواتنا من سوريا فعليها أن تدفع مقابل ذلك".

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.