هل تسقط مؤسسات «الدولة العميقة» ترامب بشرِّ أعماله؟

14

محمد نادر العمري

يبدو واضحاً، مما حمله خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الكونغرس وما سبقه من إعلان استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، أن السياسة الأمريكية بجناحيها الداخلي والخارجي تتجه نحو المزيد من الصدامات وفرض الإملاءات الواهية حتى على ممثلي الشعب الأمريكي المنتخبين، عندما توجه إليهم ترامب في خطابه منذ أيام:

«أطلب منكم أن تقروا موازنة إعادة بناء البنية التحتية الأمريكية وتجديدها.. أطلب منكم الموافقة على تحديث الترسانة النووية.. أطلب منكم الموافقة على ميزانية الجيش التي تفوق كل الميزانيات.. أبلغكم أنني قررت إعادة فتح غوانتنامو، وأنني قررت البقاء عسكرياً في سورية والعراق، وأنني سأشنّ حرباً على طالبان، وأنني سأنفذ خططاً داخل إيران لزعزعة الجمهورية الإسلامية، وأنني اعترفت بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، ولن ندفع قرشاً من المساعدات لمن لا يوافق على مواقفنا ويتفق معها.. أبلغكم أنني أعد روسيا والصين أعداء لأنهم يهددون مصالحنا الاقتصادية.. أبلغكم أنني سأشن حرباً على أوروبا لنسف الاتفاقيات التجارية السابقة، ولوضع اتفاقيات جديدة تكون عادلة وتخدم مصالح الولايات المتحدة»….الخ.

هذا الخطاب بلهجته ونبرته الآمرة والمرتفعة أظهرت مروحة من الجوانب في السياستين الداخلية والخارجية:

أولاً، لم يقدم ترامب احترامه للشعب والدستور الأمريكي عندما وجه جملة طلباته لهم، بغض النظر عن إعطائهم الحق في ممارسة دورهم الدستوري بمناقشة ماتم طرحه وقبوله أو رفضه.

ثانياً، التوجه نحو اعتماد أكبر ميزانية لوزارة الدفاع لتبلغ 700 مليار دولار في عام 2018، يفرض مؤشراً نحو زيادة سباق التسلح بين القوى النووية واتساع رقعات العنف في العالم، فضلاً عن استمرار تصنيف دول العالم وفق المواقف المؤيدة لواشنطن أو المعارضة لها.

ثالثاً، رسم ترامب لنفسه خطوطاً عريضة لشنّ حروب خارجية وهذه الحروب مقسمة:

 الحرب الأولى

تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط ضدّ إيران وحركات المقاومة بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي والرجعيات العربية التي أصبحت أداة وظيفية رئيسة في فرض خطته ﻹعادة رسم معالم الشرق الأوسط، وفي هذا السياق وجه بنيامين نتنياهو رسالته للرئيس الأمريكي في منتدى دافوس بوضوح:((إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران فإنني أعدك بأن تدعمك إسرائيل))، فضلاً عن مضمون الاتفاق المبرم بين جهازي الاستخبارات في أمريكا والكيان الصهيوني في نهاية عام 2017.

الحرب الثانية

..مع أوروبا وهي على مستويين:الأول يتضمن التهديد بالتخلي عن حماية أمنها القومي ومقايضتها بزيادة حصتها بدفع الضرائب للجباية الأمريكية واستخدام روسيا كـ «فزاعة» تهديد حيث تتكئ واشنطن على ذيلها البريطاني للضغط في هذا المسار، وبذلك تضمن واشنطن إعادة صياغة الاتفاقات التجارية مع بروكسل لضمان تحقيق أرباح إضافية على ما كانت تجنيه سابقاً.

أما المستوى الثاني فيهدف لدفع أوروبا نحو الاشتباك مع إيران لمنع الطرفين من تحقيق صفقات تجارية بعيداً عن المصلحة الأمريكية التي تخطط للسيطرة على كل ثروات وإمكانات منطقة الشرق الأوسط.

الحرب الثالثة

.. هي مع روسيا والصين وتأتي في سياق سعي ترامب للحفاظ على الهيمنة العالمية للنظام الأحادي و«احتواء» الدور الروسي وتهديد الأمن القومي الروسي ومحاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة وعدم التسليم للرؤية الروسية المتوازنة والنزيهة إزاء الأزمة في سورية وكذلك للرؤية الروسية للشراكة الأورومتوسطية، والسعي لزعزعة الشراكة الاستراتيجية بين موسكو والصين التي دفعت ترامب نحو التمسك بالحمائية الاقتصادية نتيجة الصعود الاقتصادي الصيني ولجوء إدارة واشنطن نحو إجراءات وقرارات تتعلق بفرض ضرائب جمركية جديدة ومرتفعة على صادرات الصين للولايات المتحدة.

إن استراتيجية المواجهة وفرض الأمر الواقع التي يحاول ترامب إرساءها، ليست سوى تكتيك يعبر عن العنجهية الأمريكية التي بدأت تغرد خارج السرب الدولي بابتعادها عن الواقعية السياسية أو عدم رغبة إدارتها بالاعتراف بالتغييرات التي شهدها النظام الدولي في العقد الأخير، في ظل تطويق داخلي تمارسه مؤسسات الدولة العميقة على الرئيس ترامب وبدأت تؤثر في سلوكياته بشكل واضح وخاصة في سياسته الخارجية، ويبقى السؤال: هل لدى أمريكا ومؤسساتها القدرة على تحمل أي هزيمة تزيد من تدني الثقة الدولية بها، أم قد تسارع هذه المؤسسات لتفادي ذلك وتسقط الرئيس الأكثر جنوناً في تاريخها في شرِّ أعماله؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.