مكابرة بلا جدوى

28

مها سلطان

يكذب ريكس تيلرسون عندما يقول (في حديث له مع قناة سي بي إس الأميركية أمس الأول) إن بلاده تستخدم «عصا غليظة» وليس «جزرة» لإقناع كوريا الديمقراطية بالتفاوض..

.. الولايات المتحدة ليست كذلك ولا تستطيع أن تكون كذلك، وهي تدرك جيداً أنه مع كوريا الديمقراطية لن تنفعها لا عصا غليظة ولا جزرة، ليس لأن كوريا الديمقراطية تجاوزت هذه المرحلة بكثير فقط بل أيضاً لأن المعادلات الإقليمية في المنطقة تجاوزت الولايات المتحدة وسياساتها القائمة على الفرض والإملاء والابتزاز.

واشنطن لا تقر علناً بذلك لكن وراء الكواليس هناك الكثير من المعارك التي تخسرها والكثير من الخطوط الحمر التي تضعها دول الجوار الكوري ولا تستطيع واشنطن تجاوزها. هذه المنطقة (شبه الجزيرة الكورية وجوارها الإقليمي) تكاد تصبح محرَّمة على الولايات المتحدة لولا بضع فرقٍ من جنودها ما زالت موجودة في كوريا الجنوبية. وحتى هذا الوجود بات عديم الجدوى ورهين سياسات الجوار، وربما هذا ما يفسر اتجاه كوريا الجنوبية للابتعاد عن واشنطن قليلاً لمصلحة تقارب أكبر مع كوريا الديمقراطية، هذا التقارب يسير بصورة جيدة وبرعاية إقليمية تواظب على دفعه إلى الأمام.

تيلرسون صَدَق في أمر واحد فقط هو أن الولايات المتحدة تنتظر إشارة من كوريا الديمقراطية لبدء التفاوض إذ يقول: هي على علم أن قنواتنا مفتوحة.

مسألة «القنوات المفتوحة» ليست جديدة. والتصريحات الأميركية حولها مستمرة منذ عام تقريباً، ولكن بالمقابل لا رد ولا إشارة من كوريا الديمقراطية، حتى إنها لا تتطرق أبداً لمسألة «القنوات المفتوحة» تلك، ونكاد نجزم أنها لم ترد في أي تصريح، وكأن كوريا الديمقراطية لم تسمع بها أو أنها تتعامل معها من مبدأ أنها غير معنية بها. إنها رسالة تجاهل واضحة جداً بينما واشنطن تكابر وترفض تلقي الرسالة.

.. وعليه نعتقد أن الولايات المتحدة ستبقى في حال انتظار حتى تقتنع بأنه بات عليها أن تقوم بإعلان صريح مباشر باستعدادها للتفاوض من دون شروط مسبقة وبعيداً عن لغة التهديد والابتزاز ومن دون تصريحات مُكابرة لا تقدم ولاتؤخر. وأكثر من ذلك عليها تقديم امتيازات وإغراءات حتى تحصل على هذا التفاوض.

من دون ذلك لا نعتقد أنه سيكون هناك تفاوض مباشر ولا غير مباشر. واشنطن اليوم هي من يحتاج التفاوض وليس كوريا الديمقراطية التي لم ترضخ في الماضي فكيف ترضخ اليوم وقد وصلت إلى ما وصلت إليه من قوة ومن دعم إقليمي؟.

بات على واشنطن مراجعة حساباتها وتعديل سياساتها فـ«زمن أول تحول» كما يقول المثل، وإلا ستبقى تنتظر إلى مالا نهاية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.