حين تتحطم قواعد الاشتباك..!!

10

علي قاسم 

تحفل التداعيات التي أعقبت العربدة الإسرائيلية الأخيرة وفشل العدوان، والضربة التي تلقاها قادته بسيل لا ينقطع من الإضافات النوعية المتحركة، وهي لا تقف عند المتغيرات التي أضفتها، بقدر ما تبدو مضطرة للأخذ بالرسائل و ما فرضته بالضرورة من تغيير جذري في قواعد الاشتباك،

وخصوصاً أن العربدة التي افترضت أن تحاكي ما سبقها بمنطق العدوان، جاءت مخالفة وربما مناقضة، وهي تفرض مقاربة جديدة وبمعايير جديدة، باعتبارها شكلت منعطفاً في القراءة السياسية والإعلامية اللاحقة، كما أحدثت فرقاً عسكرياً وإستراتيجياً لابد من الأخذ بمخرجاته العملية.‏‏‏

فالذرائع الإسرائيلية لم تتبدل ولم تتغير، أسقطت من حساباتها ومعادلاتها حدود ومساحات ردة الفعل، وأقصت إلى حد بعيد إمكانية الفهم للمعادلات الجديدة باعتبارها قواعد ناظمة، لا تكتفي بسياسات آنية تعيد تشكيل قواعد الاشتباك، بل تصل إلى حدود رسم إستراتيجيات جديدة على ضوء المفارقة الواضحة في الذريعة ونتائجها، حيث الكذب الإسرائيلي لم يعد يمرّ على الإسرائيليين أنفسهم، وبدت ردة فعل ما يسمى الداخل الإسرائيلي أكثر فهماً لخطورة الرعونة التي يجترّ من خلالها القادة السياسيون والعسكريون للعدو الإسرائيلي، سواء ما تعلق بحجم أوهامهم حيال الحصانة العسكرية والسياسية، أم ارتبط بالذرائع الكاذبة التي كانوا يتلونها على «جمهورهم» الاستيطاني.‏‏‏

فوهم التفوق العسكري أُصيب بشرخ لا يمكن للمنظومة السياسية والعسكرية القائمة في إسرائيل أن تتجاهله، ولا تستطيع بعد الآن المحاججة بالدور السياسي الذي كان يتباهى به نتنياهو وصداقاته وتحالفاته التي عجزت عن تأمين حماية من ردة الفعل، وحيث أنهت إلى حد بعيد أسطورة التفويض المزدوج، كما كان يروّج نتنياهو ومنظومته السياسية والعسكرية من الغرب والشرق على حد زعمه، ووضعت حداً فعلياً لعربدة عسكرية، لم تخلُ من عنجهية سياسية واضحة وصريحة.‏‏‏

الانقلاب في النظرة إلى وجود نتنياهو وتورمه في تحقيق حلمه من الأساطير التي حملتها دعاية منظمة، وقادتها حملات مؤطرة بنت افتراضاتها على نجاح العربدة الإسرائيلية الذي كان يتباهى به، ويفاخر على رؤوس الأشهاد بالاختراقات التي حققتها حكومته من انفتاح على الدول المتورطة في دعم الإرهاب، حيث المراجعة الفعلية تتجاوز حدود الإقرار بأن ما تحقق سياسياً يتبخر بحماقة نتنياهو، وما تم الترويج له إعلامياً يكاد يساوي في محصلته النهائية الصفر، بحكم الارتدادات الناتجة عن متغيرات تجتاح النظرة العربية والإقليمية للعربدة الإسرائيلية، التي وصلت إلى حد إعلان روسيا قلقها مصحوباً بكثير من الإقرار بعدوانية إسرائيل التي تحضر في الخطاب الروسي على شكل رسائل تحذيرية.‏‏‏

الأهم في هذا السياق.. ما ذهبت إليه التحليلات التي تلت العربدة الإسرائيلية وفشلها في تحقيق أهدافها، أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام كثير من التأويلات التي كان مسكوتاً عنها لدى الإدارة الأميركية، والتي تؤشر إلى أن الصمت هذه المرة ليس من باب العجز، بل قد يكون أقرب إلى لغة اللوم والمأزق الذي حال دون أن تتمكن إدارة ترامب من إدارة الدفاع عنه وإن جاء متخماً بلغة النفاق المعروفة أميركياً.‏‏‏

فالكذب الإسرائيلي هذه المرة أكبر من أن يستطيع الأميركي أن يأخذ به، والأخطر أن حاله حال المنظومة الغربية ككل لا تستطيع أن تحاجج به، وليس بمقدورها أن تسوّقه، بحكم الخلل البنيوي والسياسي والعسكري في تجلياته المختلفة، ويضاف إليه حالة الحرج التي وضعت فيها الأنظمة التي تنسق مع إسرائيل، باعتبار أن العدوان الموصوف يصعب تجاهل تداعياته ومخاطره.‏‏‏

الانقلاب الحقيقي في المشهد ليس حكراً على أبعاده الإستراتيجية الكبرى، ولا على عناوينه العريضة، وإنما يصل إلى التفاصيل التي تداخلت، وتشابكت فيها القراءات والتحليلات، لتشكل بمجملها رسالة واحدة مفادها أن نقطة الانعطاف الأساسية لن تكون فقط على المستوى الإقليمي والاحتمالات المفتوحة، وإنما أيضاً ستصيب في جانب منها المشهد الدولي، الذي يراقب ويتابع الترددات السياسية والعسكرية التي تتواتر تباعاً، بأن إسقاط الطائرة الإسرائيلية الأحدث في ترسانة العدو كان بمنظومة صواريخ ليست الأحدث، لكنها بالتأكيد تمتلك من كفاءة التقنية والاستخدام والإرادة، ما يجعل الجميع يعيدون حساباتهم، وربما تغيير معادلاتهم السياسية والعسكرية والإستراتيجيات.. وصولاً إلى المقاربات، بحكم أنَّ الناتج لم يكن فقط إحداث متغيرات في قواعد الاشتباك ومخرجاتها المعمول بها، بقدر ما كان تحطيماً للقائم منها، والمباشرة في صياغة إحداثيات جديدة، سيكون لها دورها في رسم مستقبل المنطقة، وربما جزء كبير مما هو خارجها.‏‏‏

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.