في زمن الخريف العربي.. إيران تقطف ثمار ربيع ثورتها

10

محمد نادر العمري

أيام قليلة وتسدل الجمهورية الإسلامية في إيران الستار عن الذكرى التاسعة والثلاثين من ربيع ثورتها الإسلامية، هذه الثورة التي شكَّلت، وباعتراف معظم السياسيين وأساتذة العلاقات الدولية، زلزالاً جيوإستراتيجياً في معالم النظام الإقليمي وتركيبته السياسية وطبيعة تحالفاته منذ عام 1979، تزامنت مع مرحلة مفصلية من مراحل الصراع العربي الصهيوني بعد إخراج مصر من حلبة هذا الصراع بموجب اتفاق كامب ديفيد، وما أحدثته هذه الثورة من تغيرات جذرية بنيوية سياسياً وفكرياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً في النظام الداخلي الإيراني.

لكن ما يميز احتفال «يوم الله»، وهو المصطلح المحبب لدى الإيرانيين هذا العام، ليس فقط ثبات المواقف والمبادئ التي تبنتها الثورة ولم تتغير طول السنوات الطويلة، ولا لترسيخها للنظام الجمهوري وإنجازها لانتخابات قارب عددها تسعة وثلاثين، ما بين رئاسية وبرلمانية وبلدية خلال ما يقارب العقود الأربعة السابقة في إطار خارطتها الجغرافية المجاورة للدول ذات الأنظمة العائلية النفطية المالكة، ولا باستمرارها بدعم القضايا المحقة للشعوب الإسلامية وغير الإسلامية في تقرير مصيرها مثل حق الشعب الفلسطيني، والكفاح ضد العنصرية في جنوب إفريقيا سابقاً، ولا بوفائها تجاه حلفائها وأصدقائها وإستراتيجية علاقاتها وتحالفاتها مع أقطاب ودول ناشئة مناوئة للرأسمالية ومطالبة بضرورة تغيير النظام الدولي الحالي، ولا في صمودها ضدَّ كل التأثيرات والضغوط الغربية، ولا لقدرتها على الحفاظ على استقرارها وسيادتها وتحصين قرارها الداخلي وتخلصها من علاقة التبعية للغرب والخروج من العباءة الأمريكية، ولا لاستمرارها في الوقوف إلى جانب حركات المقاومة كحماس وحزب اللـه الذي يعتبر إحدى ثمار التحالف المصيري السوري الإيراني في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا حتى في سياستها المعادية بجهارة لوجود الكيان الصهيوني ورفضها لسياسة الإملاءات فقط، ما يميزها هذا العام هو الترجمة الفعلية والإقرار الدولي لقول الإمام الخميني: «إن العالم بحاجة إيران»، التي أسست لتحقيق ذلك من خلال بناء الإنسان الإيراني، وها هي تحصد اليوم ثمار ذلك من خلال هرولة دول العالم إليها.

حيث أضحت إيران اليوم وجهة للحجاج الدبلوماسيين من كافة عواصم الدول، وساحة مغرية بكل ميزات الجاذبية لمصالح الدول الغربية التي بدأت تتسابق فيما بينها لتوقيع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والارتقاء بالعلاقات مع القيادة الإيرانية والإقرار بما أثمره التفاف شعبها وتمسكه بثورته، هذه الدول هي ذاتها قبل عام ونيف فقط، كانت تعتبر إيران أكثر دول العالم شراً وإرهاباً ولم تترك وسيلة وحيلة وأسلوباً إلا واستخدمته لإسقاط هذه الثورة ومن يقودها لإعادة نظام الشاه، حيث أوكلت للعراق خوض حرب بالوكالة نيابة عنها لمدة 8 أعوام كلفت اقتصاد إيران خسائر تجاوزت ألف مليار دولار، وألحقتها بحروب ناعمة وحصار وعقوبات اقتصادية ومقاطعة سياسية مؤلمة وأحاطتها بقواعد وأساطير عسكرية بتواطؤ إقليمي ودولي وبمظلة أممية.

39 عاماً من الصبر والحصار والعمل الدؤوب كانت كافية لتنتقل إيران من الدول المتخلفة والتابعة لمصاف الدول المتقدمة، كانت كافية لتتحول من أداة وظيفية للاعب إقليمي ودولي لا يستهان بوزنه وقدرته، كانت كافية لتفرض نفسها وبقوة في المسرح الدولي بإنجازاتها النووية والفضائية والتكنولوجية والعسكرية، وكل سياسات التخويف والتهديد والوعيد الذي مارسته معظم دول المجتمع الدولي تجاه إيران، لم يحول ذلك دون وصولها لما كانت تطمح إليه عندما غرست بذور ثورتها، وامتلاكها لبرنامج نووي سلمي ودخولها نادي الكبار من أوسع أبوابه وبإقرار دولي مرغم عليه، لم يكن فقط الثمرة الوحيدة لتضحيات وصمود ثورة الشعب الإيراني، بل أرست قاعدة بنيوية تحتية علمية وفكرية وتكنولوجية بفضل سواعد أبنائها وعقول مواطنيها، حيث اعتبرها المجلس الوطني الأميركي للمعلومات إحدى الدول العشرة عالمياً بالتقدم العلمي والتقني، وحصلت على المرتبة الثالثة عشر من حيث الإنتاج العلمي دولياً حسب منظمة «أي أس أي»، ونمو التطور العلمي بها فاق المعدل العالمي ثلاث عشرة مرة، وحققت قفزات سريعة ونوعية في تقنية النانو تربعت على عرش صدارته إقليمياً والسابعة عالمياً خلال 12 عاماً فقط من البدء بإنتاج هذه التقنية ونشرت ما يقارب من 4150 بحثاً ومقالاً علمياً بهذا الخصوص.

استفادت إيران من التقدم العلمي والتكنولوجي لتربطه بشبكة عنكبوتية في المجالات الأخرى وتطويرها، ما دفع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بجيش الكيان الصهيوني سابقا اللواء هرتسي هيلفي للتحذير من التطور العلمي المتسارع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، واصفاً هذا التطور بأنه الخطر الأكبر الذي يحدق بإسرائيل، وأضاف وفق معلومات سربتها صحيفة «معاريف»: «إن كنتم تسألونني؛ هل الحرب ستنشب خلال الأعوام العشرة القادمة مع إيران؟ فإن جوابي سيكون مفاجئة لكم، فنحن نخوض حرباً مع إيران إلا أنها حرباً ليست عسكرية مباشرة، بل هي حرب تكنولوجية».

إذاً العدو قبل الصديق يعترف بما حققته إيران وما قطفته من ثورتها، فهي اقتحمت حرب النجوم دون أن تستأذن أحداً، ومكنها تقدمها التكنولوجي من السيطرة تقنياً وفنياً على أكثر طائرات التجسس العسكرية الأمريكية تطوراً «RO170» دون أن تصاب بأي أذى بعد أن تم رصدها بمقدرات ذاتية منذ عامين، وقامت بتطويرها إلى جانب الجيل المتكامل من الطائرات التي تنتجها وبخاصة «قاهر 313»، ورفعت مستوى تطورها وإنتاجها العسكري جوياً وبرياً وبحرياً لتردع عنها كل عدوان وتفرض توازن رعب، وهي تمهد لإرسال أول بشري للفضاء الخارجي عام 2020 بعد نجاحها في إرسال ثلاثة أقمار صناعية للفضاء في 2009 وما تلا ذلك من إرسال كبسولات حملت سلاحف وحشرات برحلة ذهاب وعودة من الفضاء.

كما أن التوقعات في مولد ثورتها التاسع والثلاثين يشير لنمو اقتصادها لأكثر من 5 بالمئة حسب تقرير صادر مؤخرا عن الأمم المتحدة، بعد استكمال رفع العقوبات عنها، ورفع إنتاجها اليومي من النفط لحوالي 4,5 ملايين برميل في عام 2018، واقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية وفق ما أعلنته «وكالة موديز للتصنيف الائتماني» وهو أكثر الاقتصاديات تنوعاً مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط في المنطقة.

إيران تقطف اليوم انضج ثمرات ثورتها في ظل خريف يعصف ويزرع ويحصد دماً تعيشه الكثير من الدول العربية؛ فالعراق يقسم على نار هادئة، والسودان أصبح اثنين، وليبيا مباحة لكل الأطماع، وتونس في مشهد غامض سياسياً، ومصر مازالت مرتهنة للمال الخليجي، واليمن يعاني حقد جيرانه وعدوانا بمظلة إسلامية، وسورية أريد أن تكون سماؤها مباحة لكل الطائرات وأرضها أصبحت خصبة لكل إرهابيي العالم، فعن أي ربيع عربي يتم الكلام؟!

ربيع يجعل من أموال النفط الخليجية وسيلة لمقتل وجرح ما يزيد على 2 مليون شخص خلال السنوات السبعة الماضية! ويؤدي لتدمير معظم البنى التحتية بهذه الدول التي وصلت خسائرها لأكثر من 933,7 مليار دولار وشردت ما يزيد على 19 مليون مواطن، وجلبت كل مرتزقة الأرض.

ربيع بأدوات خارجية وشعارات خارجية وبتدخل خارجي، ربيع تتبناه أكثر دول العالم تخلفاً، رغم أن إحدى دولها تنتج أكثر من 10 ملايين برميل نفط يومياً، وتتباهى برقص السيوف واختيار ملوك الجمال من الدواب والجمال والعنز في ثقافتها المهرجانية وتعدم رجال الفكر وتعتقل كل من يطالب بأبسط الحقوق وتحتمي بأسلحة من يتحكم بأمنها ويضمن حكمها.

فعن أي ربيع يتم الكلام؟!

ربيع دولة وقفت بوجه كل التهديدات عندما قررت إسقاط نظام الاستبداد وأذلت جنود أعظم دولة في العالم منذ أيام عندما احتجزتهم وأركعت عنفوان جبروتهم أمام أنظار العالم أم ربيع تتبناه ممالك وإمارات لا تعرفه سوى بالكلمات وتكلفت أكثر من 147 مليار دولار لتدمير سورية فقط؟

كلمة حق في النهاية لابدَّ أن تقال؛ ما حققته الثورة الإيرانية بإمكاناتها المتواضعة وظروفها التي عانت منها هي حالة فريدة بتاريخ العالم السياسي الحديث، وهناك إدراك واقعي من قبل القيادة بالجمهورية الإسلامية في إيران، بأن حصاد المزيد من ثمار ثورتها والحفاظ على مكانتها الدولية يتطلب بالتوازي تحقيق المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما جرى مؤخرا من اضطرابات بتحريك خارجي في معظم جوانبه واستنفار معظم مراكز الدراسات الإسرائيلية وبخاصة «مركز بيغن السادات» في تحليل ودراسة آثار الثورة الإيرانية، ومساعي تنصل «أميركا ترامب» من الاتفاق النووي بذرائع تتعلق بإنتاج الصواريخ البالستية وتطويرها وحقوق الإنسان تأتي في سياق زعزعة الوضع الداخلي، فالأشجار المثمرة إن لم ترو بشكل مستمر وتعرضت تربتها للتهوية تفقد صونها وخصوبتها ويسهل نخرها.

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.