المليشيا الأميركية.. جبهة جديدة للحرب على سوريا

33

د: فايز عز الدين

منذ انتهاء أعمال مؤتمر جنيف واحد عام 2012، واجهت جماهيرنا الحذلقة الأمروصهيونية في الحديث عن ضرورة مكافحة الإرهاب الذي بدأت إرهاصاته في أوروبا، وأميركا تشكل خطراً داهماً على السلم والأمن الأهليين في تلك القارتين، ولا بد من اتخاذ خطوة دولية ضده فاتُفق على أن يكون البند الأول في بيان المؤتمر المعني بخصوص مقاومة الإرهاب وتجفيف منابعه وتم صدور القرار الدولي 2251 حتى تبدأ العملية العالمية المقاومة له هذا من جهة، وفي البند الثاني وضعوا (أي مَنْ في المؤتمر) مرحلة الانتقال السياسي للوصول إلى الحل السياسي في سورية. وكما هي عادة الغرب المتصهين يصوغ القرارات الدولية ملتبسة المعنى والمبنى، حيث أدخلوا الحرب ضد الإرهاب في سياق المباشرة في تنفيذ مرحلة الانتقال السياسي حتى لا تتم مكافحة الإرهاب وفق القرار العالمي بمقدار ما يتم الضغط على الدولة الشرعية السورية التي تحاربه بجيشها وحلفائها، وكانت قد حذّرت مراراً أوروبا وأميركا من خطورة امتداده لكن القرار الغربي لا يريد الإصغاء لأنه هو صاحب المؤامرة على سورية وغيرها من الدول الوطنية العربية؛ ولذا فهو مصرٌّ على أن تبقى دفّة التوجيه المرسوم عملها من قبلهم نحو عدم تمكين سورية: الدولة، والجيش، والشعب من النصر الميداني على الإرهاب طالما فيه خسارة جيواستراتيجية للتحالف الغربي المتصهين على بلدنا.‏

ودار الكباش الدولي حول هذه المعادلة المشتبكة والعسيرة على الحل، إذ كيف ستنتقل بالدولة السياسية إلى تشكيل جديد والإرهاب يتحكم برقعة كبيرة من جغرافيا الوطن السوري؟ ثم مَنْ الذي سيصبح شريكاً في الدولة وهو من الأدوات الإرهابية التي تسعى إلى توجيه الحرب الإرهابية كي تتحول إلى حرب أهلية؟ بناءً عليه صار مفهوماً أن التحايل على عدم تنفيذ قرار محاربة الإرهاب حقيقة جليّة وضعوا لها مقولة: (لا حلّ في سورية سوى الحل السياسي).‏

ولأننا في بلدنا نريد في النيات الوطنية السليمة أن نصل إلى الحل السياسي لم نعارض هذه المقولة التي عُوّمَتْ عالمياً، وصارت نبراس التوجه لحل المسألة السورية. وعندما كنا نستفهم حول عجلة الميدان المتسارعة للجيش العربي السوري، وحلفائه حين ستقضي على الإرهاب وتنتهي قصة الوجود الإرهابي بجميع تشكيلاته على الأرض السورية هذا النصر ماذا سيضيف إلى الحل السياسي؟ وماذا سوف يُضاف إليه من عمل دولي يوطد السلم والأمن الأهليين في سورية لتبدأ العملية السياسية على قواعد الوحدة الوطنية للشعب، والمشاركة السياسية في إعادة بناء البلد وإعماره؟ وما حدث أن أميركا في كل انعقاد لجنيف أو فيينا، أو أستانا لم تكن خالصة النية في التوجه السياسي نحو الحل فهي تريد أن تقضي على الإرهاب الذي لا يأتمر بأوامرها، وتستثمر بالإرهاب الداعشي، والنصروي الذي صنعته. ولم تشن أميركا الحرب الإرهابية على سورية لتقبل بالنصر السوري على الإرهاب وخاصة حين حسمت هذه الحرب العدو الحقيقي لسورية والصديق الحقيقي فتشكّل تحالف المقاومة لعودة الاستعمار من جديد تحت لافتة الربيع والثورة. ووفقاً لمقتضى هذا الحال بدأنا نرى أن أميركا تتململ كلما حقق الجيش وحلفاؤه أيَّ نصر، ومن ثم اعتدت على قواعد جيشنا غير مرة. وبحجة الحرب على الإرهاب شكّلت تحالفها الدولي الذي لم يكن ضد الإرهاب بمقدار ما كان ضد سورية الدولة الشرعية المعتدى عليها.‏

وفي هذا السياق أصبحت جماهير سورية تلاحظ السياسات الغربية الصهيونية كيف لا تسمح للمعارضات السورية بأن تشكل الوفد الموحد، ثم كيف صارت منصة الرياض مفروضة كممثل وحيد في التفاوض، وها هم مَنْ فيها يذهبون إلى أميركا ويطالبون بقصف الجيش العربي السوري ويعطون الموافقة على تقسيم الوطن، فالمهم عندهم خدمة المشروع الغربي المتصهين في بلدهم أكثر من خدمة سيادة بلدهم واستقلالها. وفي الآونة الأخيرة حين جرت الأمور وتجري على وقع خطا الجيش وحلفائه، وأضحت مواقع الإرهاب تتساقط، وتصبح إدلب في الربع ساعة الأخيرة على تحريرها تعلن أميركا عن تشكيل مليشيا /عرباً وكرداً/ من /30/ألف عنصر لكي يكونوا الحاجز كما تزعم في وجه إعادة المحاولات الإرهابية على الحدود بين سورية والعراق، وبين سورية وتركيا.

وعلى الرغم من عدم قبول هذا الحال من قبل الأطراف الحليفة لأميركا قبل غيرها، ولا سيما أردوغان تركيا، إلا أن أميركا لا تفكر سوى بمصلحتها فقط، أي ما تزال مصرة على تقسيم سورية رغم ما أبدته من موافقات عبر جنيف المتعددة، والقرارات المساندة لكنها لن تعترف بالهزيمة ولو خلقت معادلة أخطر من الحرب الأساسية الإرهابية التي شنتها علينا.‏

إذاً؛ نحن السوريين اليوم مدعوون لأن نفكر بهذا التحول الجديد للمؤامرة المتجددة، وما نفهمه من هذه المليشيا أن أميركا بناء على حديث ساترفيلد أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي حول سورية حيث قال: (لن يكون هناك أي انتصار عسكري في سورية من دون تحقيق الانتقال السياسي للبلاد، وأردف ساترفيلد القائم بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى: «لن تعترف الولايات المتحدة بأي نصر عسكري في سورية سواء لروسيا أم للنظام» وعلى هذا الأساس تعلن أميركا عن تشكيل المليشيا الخاصة حتى تستثمر فيها من جديد بدلاً من الإرهاب المهزوم بقيادتها.

وحين يكون الحال الأميركي على الحدود السورية ممثلاً لتطلّعات الاستعمار المتجدد حضوره في بلادنا يستلزم هذا الواقع قراءة وطنية لدى كافة شرائح الشعب ولاسيما الذين تم اختيارهم ليكونوا ممثلين عن الجمهورية في سوتشي إذ المسألة لم تعد مع قوة عظمى تبحث عن السلام والحل السياسي ضمن وحدة الجغرافية الوطنية لسورية، بل أصبحت مع قوة عظمى وحلفاء لها يبحثون عن تقسيم بلدنا ولو عن طريق المليشيا الجديدة التي تعمل مع أميركا ليس في المناطق التقليدية المعروف وجودها فيها، بل حتى في كامل مدينة الرقة. وهذا ما يعطي المواطن السوري إشارة واضحة لخطر لا يمكن الصمت عليه، فالبلد الذي دحر الإرهاب سوف يواجه المخططات الأمروصهيونية من جديد في مؤامرة متجددة، وعدوٍ متغطرس حين فشلت أدواته، تولّى بنفسه جبهة الحرب علينا، فلنتعاضد كوطنيين ونهزمهم.‏

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.