ادلب مسرح المصالح المتناقضة… لكن الحسم سوري

42

العميد د. امين محمد حطيط

عندما فرغت سورية من معركة الوسط في الجبهة الشرقية واجهزت على داعش ومعها اجهزت على الاحلام والخطط الأميركية بالتقسيم والفصل، كان الذهن يتجه الى مناطق ثلاث بعدها هي الشمال الشرقي حيث الاكراد الذين يعملون بقيادة وتوجيه أميركي والغوطة وصولا الى حدود الجولان المحتل حيت ثقل التدخل الإسرائيلي وأخيرا ادلب حيث بقايا الأهداف والمصالح التركية الي تلازمت مع بقايا الإرهابيين الذين نقلوا اليها من أكثر من سبيل ولأكثر من سبب.‏

و في جدول الاولويات السوري كان قطع اليد الإسرائيلية ثم التركية يتصدران لائحة الأوليات في الخطط العسكرية السورية لاستكمال التحرير ، و لذلك كان لا بد من عمل عسكري نوعي يقوده الجيش العربي السوري في الغوطة الغربية وصولا الى بيت جن و الحضر ليوجه رسالة للعدو الإسرائيلي بان زمن العبث بالأمن السوري او زمن الاحلام بالمنطقة الامنية هو زمن ولى و ان لا مجال لإسرائيل بان تحلم بقيام حزام امني عل الأرض السورية مهما كانت الظروف وكانت التضحيات ، و بالفعل و بعد موا جهات تعدت الأسبوعين في المنطقة شارك فيها الأهالي بشجاعة بالغة تمكنت قوى الجيش العربي السوري و القوات الحليفة و الرديفة من دفن الحلم الإسرائيلي في المنطقة و أخرجت الغوطة الغربية من دائرة العمل الارهابي.‏

اما في ادلب و رغم ان الحكومة السورية لم تثق يوما باردغان منذ انقلابه على التفاهم الاستراتيجي مع سورية و احتضانه لقوى العدوان عليها في مطلع العام 2011 ، فان سورية أعطت حلفاءها الإيرانيين و الروس الفرصة لاستقطاب تركيا و جعلها تعمل معهما في منظومة رعاية حل في سورية يقضي على الإرهاب و يؤسس للحل السياسي ، لكنها مع ذلك لم تمنح تركيا لحظة واحدة ثقة بها لان الذي يخون امانته و يغدر مرة يستسهل الغدر و الخيانة كل مرة و اردغان خان و غدر و لذلك لا يمكن ان يكون في الميزان السوري رجل ثقة و امانة و مع هذا و ثقة بالحلفاء ترك اردغان يتعامل معهما و كانت سورية تنتظر النتائج اتي تريدها في ادلب من تصفيه الإرهاب المتحشد فيها ( ما يصل الى 30 الف إرهابي) ثم تمكين الدولة من بسط سيادتها عليها ثم تمكين المدنيين السوريين من العودة الى دورهم التي اغتصبها الارهابيون .‏

لقد كان التزام اردغان في منظومة خفض مناطق التوتر في حال تنفيذه بصدق و امانة يؤدي الى تحقيق ما عولت عليه سورية في منطقة ادلب ، بيد ان اردغان على عادته في المراوغة و الخداع ، انقلب على التزامه و انصرف الى تنفيذ مشروع تركي خاصة في ادلب وصولا الى عفرين ، مشروع يرى فيه مجالا لتعويض خسارته الاستراتيجية في سورية و مدخلا للتأثير في مسار الحل السياسي و النتائج المتوخاة منه سواء كان على مسار جنيف ( رغم وهنه) او مسار سوتشي ( مع ما يوضع امامه من عراقيل) ، تأثير يجعل اليد التركية قائمة و فاعلة في سورية و تجعل من تركيا جزءا من الفريق المنتصر في المواجهة المستمرة منذ 7 سنوات و التي كانت تركيا فيها و لا زالت في مقدمة دول العدوان على سورية .‏

امام هذه الحقيقة ، معطوفة على حقيقة أخرى تتصل برغبة و اراده أميركية تتمثل بإطالة امد النزاع في سورية عامة و في ادلب خاصة ، وجدت سورية وحلفاؤها بان العلاج لمنطقة ادلب لن يكون الا عسكريا ، و ان ادلب لن تستعاد الا بيد الجيش العربي السوري و حلفاؤه الصادقين ، و ان تحرير تلك المنطقة ضرورة لا يمكن تأخير إنجازها لتحقيق اهداف شتى في طليعتها وأساسها استكمال التحرير و الاجهاز على الإرهاب المتمثل بجبهة النصرة ، ثانيها تحصين امن مدينة حلب و حماه بشكل نهائي و كلي من اجلا اعادة اطلاق عجلة الاقتصاد فيهما بعد تهيئة بيئة إعادة الاعمار الذي لا بد منه ، ثالثها نقل المواصلات و الانتقال السوري من حالة التعقيد و الامن المشوش و الوقت المهدور الى حالة الاستقرار و الطمأنينة و اختصار الوقت و المسافة و في هذه مصلحة سورية امنية و مصلحة اقتصادية على حد سواء خاصة عندما يكن الحديث متصلا بربط عاصمة سورية الاقتصادية بعاصمتها السياسية . ويمكن القول انه في الذهن السوري يكون الانطلاق الجدي في العمل على المسار السياسي في سوتشي فيه بعض من التشويش والضبابية ان لم تحقق الأهداف المبينة أعلاه.‏

 

اذن بات واضحا ان مسرح ادلب بات محلا للمواجهة القاسية بين ثلاث فئات من الأهداف المتناقضة ، الأهداف السورية الوطنية الرامية الى استكمال التحرير و استكمال الاجهاز على الإرهاب (خاصة جبهة النصرة ) للانطلاق بثبات نحو الحل السياسي الذي باتت سوتشي تحضر له لان تكون الميدان الجدي و الفعلي له ، يعاكسها الأهداف الامريكية الرامية للاستمهال و تأخير موعد الاجهاز على جبهة النصرة و اقرانها من الارهابيين لمنع استعادة الامن والاستقرار الى سورية و منع الحل السياسي ريثما ترتيب اوراقها بما يناسب أهدافها من العدوان على سورية و لان اميركا تعلم ان انهاء ملف ادلب سيفتح ملف شرق الفرات حيث تريد اميركا انشاء الوضع الخاص الذي يحفظ وجودها العسكري و نفوذها في سورية ، و أخيرا الأهداف التركية الرامية لامتلاك أوراق ميدانية سورية تحفظ موقعا مؤثرا لها في المستقبل السوري .‏

وعلى ضوء ذلك فان سورية لا تجد مناصا من خوض معركة ادلب لاستعادتها، ولا ترى مجالا للتأخير فيها ومن اجل ذلك حشدت سورية للحرب ما يستلزمها واتخذت قرار الحسم بالصيغة القاطعة التي لا لبس فيها وبهذا سجلت حتى الان الانتصارات المتسارعة على المحاور الثلاثة التي عمل عليها حتى رسم مشهد ينبئ بات القرار السوري هو النافذ وان اليد السورية هي العليا، ولن يغير في الحال تدخل أميركي او خداع وغدر وعدوان تركي ولا مساعدات تغدق على الإرهابيين بشكل كثيف لوقف الهجوم السوري. فسورية فتحت معركة استكمال التحرير ولن توقفها الا بعد ان تنجز أهدافها كلها وتطمئن الى امكان الانتقال الى جبهة أخرى لاستكمال تحريرها وهي اكنة في ظهرها من ادلب وجسر الشغور وسهل الغاب.‏

ويكفي ان نتوقف عند الاحتراف في التخطيط الراقي للمعركة وخوضها على المحاور المتعددة، وعند الأداء الميداني المحترف في ظل ظروف طبيعية وجوية قاسية والنجاح في المواجهة مع اقتياد الإرهابيين الى الانهيار المتسارع، يكفي ان نتوقف عند ذلك معطوفا على جهوزية سورية لاحتواء أي هجوم معاكس تقوم به الجماعات الإرهابية بدعم مباشر من تركيا يكفي ان نتوقف عند كل ذلك لنعرف ان تحرير ادلب بات في مرمى البصر في الأفق.‏

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.