مرتزقة أميركا الجدد

29

علي قاسم

لم يسعف الوقت إدارة الرئيس ترامب في استدراك ما يمكن، وهي التي كانت تراهن عقوداً طويلة من وجود داعش، بحيث يُتاح لها هامشٌ من الوقت لترتيب أوراقها وأوراق المنطقة معها، لتكون على مقاس أطماعها،

وبما يتوافق في نهاية المطاف مع المصالح الإسرائيلية التي كانت وستبقى البوصلة النهائية التي تتعاطى من خلالها مع أحداث المنطقة، كما تتعاطى بها مع إدارة الخراب والدمار الناتج في سياق استنزاف موارد شعوبها من جهة، والإبقاء على حالة الضغط لاستكمال مشاريعها التدميرية من جهة ثانية.‏

وفي عودتها إلى الرهان والتعويل على جيش من المرتزقة، حيث سبق لها أن خاضت تجربةً اكتشفت في النهاية أنها أقرب إلى «الفانتازيا» حسب تعبير رئيسها السابق أوباما، ثمة أسئلة ملحة قد تفسر جزءاً من مأزق أميركا، حين استيقظت على حقيقة أنَّ داعش ومارده والتورمات المرافقة له، ليس أكثر من جثث وبقايا مرتزقة تائهة في الصحراء، تبحث عن منافذ للعودة إلى الحضن الأميركي الذي خرجت منه، لتكون الكتلة الصلبة من هذا الجيش الذي تراهن عليه، وتستنسخ من خلاله تجارب المرتزقة القائمة التي تُدغدغ عقل الكاوبوي الأميركي.‏

وعليه.. لم تكتفِ الإدارة الأميركية بعرقلة المسار السياسي، عبر محاولات محمومة لإغلاق كل الدروب التي توصل إليه، بل تعمدت أن تكشف عن وجهها العبثي في الحديث عن جيش من المرتزقة سبق لها التجريب معها، وأكثر من مرة خاضت غمار المحاولة، لكن من دون طائل، وخصوصاً أنَّ الطرح يشكل عدواناً صارخاً وموصوفاً على السيادة السورية، ويشكل حالة عداء مع الجوار الإقليمي الذي يجد في الخطوة استفزازاً لا يمكن القبول به، ويجرُّ مخاطر لا طاقة للمنطقة على تحمُّل تبعاتها.‏

الواضح من سياق التجريب الأميركي أنَّ إدارة ترامب لا تعوزها المعرفة، ولا ينقصها الإدراك، بأنَّ التجربة كفكرةٍ تنطوي على بذور فنائها، وتحمل مورثات فشلها المسبق، حيث لا يمكن لقوةٍ مهما تكن، أن تتخطى جملة المستحيلات القائمة، وفي مقدمتها الرفض الذاتي وغياب الحاضنة السياسية والشعبية التي رعت تورّمها لدى البعض، ودغدغت الاستطالات الانفصالية لدى البعض الآخر، وتواجه خطر المكافحة الحيوية من داخلها، بقدر ما تواجه خطر الرفض من خارجها.‏

الأوضح من ذلك أن أميركا ليست بوارد التعاطي الجدي مع الفكرة، وليس أدلَّ من ذلك العدد المتواضع الذي باشرت به على عجل، وتعمل على تدريبه كنواةٍ لمشروع جيشها «الجرار» من المرتزقة في دلالة واضحة على أنها ورقة ابتزاز رخيصة، تريد من خلالها الضغط للاستثمار فيها في بورصة التوظيف السياسي، حيث تكون أحد أوجه الاعتراض المباشر على سوتشي، ومن قبلها آستنة، التي تواجه خطراً حقيقياً ناتجاً عن مراوغة «أردوغان» والمحاولة الرخيصة للمبازرة في أوراقه المحروقة، واللعب على حبال التناقضات التي تستنزف المزيد من الوقت.‏

تحت هذه العناوين القابلة للتأويل والتفسير المزدوج باعتبارها تأخذ حيزاً واسعاً من النقاش، باتت خارج أيّ حديثٍ لاعتبارين أساسيين، الأول يتعلق بالإعلان الأميركي الصريح والمباشر الاعتراض على سوتشي، وأنها ستفعل ما بوسعها لخلق بدائل عنها أو موازية للتشويش عليها، والثاني يرتبط بـ «جيش» المرتزقة الذي تعدُّه ليكون في الحدِّ الأدنى طريقاً لإشغال المنطقة والإبقاء عليها تحت الضغط السياسي، والحيلولة دون تعافيها من ذيول التنظيمات الإرهابية.‏

في المحصلة، لا تخفي إدارة ترامب تماهيها مع الحالة الإرهابية كجزء من الرهان على التوليفة القائمة في المنطقة، لتكون حاضنةً للسيناريو الإسرائيلي الأميركي الذي يحضّر طبول الحرب البديلة، وخصوصاً مع ارتفاع الأصوات داخل إسرائيل التي تقرُّ بهزيمة المشروع الإرهابي، ولابدَّ من بدائل جاهزة للتنفيذ، خصوصاً مع الهواجس المرتفعة التي تشتغل عليها إسرائيل، بما فيها من مبالغة متعمَّدة كذرائع مسبقة لعدوانها القادم، والترويج المشترك لحروب أميركا وجبهاتها الجديدة.‏

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.