بين النّفوذ الايراني والتّدخل السّعودي .. أدب وقلّة أدب

29

يسيطر الغموض على العلاقات بين لبنان والسّعودية حيت تتهم الأخيرة حزب الله وهو الحزب الجماهيري الواسع في لبنان برعاية النفوذ الإيراني في لبنان والإقليم؛ إلّا ان إيران التي ساعدت لبنان وحزب الله بالتحديد من أجل طرد الإرهاب من حدوده لا تُشابه السعودية مطلقا التي تُرهب لبنان وتهدّده باستقراره السّياسي، وهنا يكمن بيت القصيد.

 

بعض المقارنات بين القرارات الإيرانية في المنطقة والتصرفات السّعودية في المنطقة نفسها توضح الفارق بين النفوذ والتّدخل في الشّؤون اللبنانية، بين الأدب السياسي والسياسة المؤدبة الإيرانية في التّعاطي مع الشّعوب وبين قلة الأدب السياسي والسياسة الهوجاء التي تمارسها السّعودية ضد حكومات دول المنطقة وشعوبها.

 

في الأدب يُقال للشيء الجيّد "جيّد"، وللعمل الشّنيع "شنيع"؛ وبناء على هذه الفطرة البشرية، يمكن فهم السياسة الإيرانية التي قدّمت العون لحزب الله لمساعدة لبنان في التّخلّص من الإرهاب ولم تبخل عليه بالإمدادات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. ولا ننسى أن إيران ترغب بمساعدة الإدارات الرسمية في لبنان وتقديم العون لها إلّا أن سياسة استرضاء بعض الأطراف السياسية اللبنانية للولايات المتحدة وعدد من دول الخليج الفارسي تحول دون اتخاذ قرار رسمي بقبول المساعدات الإيرانية لتنمية لبنان وما يُحكى عن تجدّد العرض الإيراني بإنارة لبنان الذي يعاني بشكل فاضح من نقص في التغذية الكهربائية.

 

إيران التي ساعدت لبنان خلال العام الجاري لدحر الإرهاب عن حدوده، لم تتدخر جهدا منذ 35 عاما في دعم الحركات الشعبية في لبنان لتخليص الجنوب اللبناني والبقاع الغربي في هذا البلد من ظلم الاحتلال "الإسرائيلي" في حين كان يُناقش البعض في جنس الملائكة وإذا ما كان عليهم مقارعة "إسرائيل" أم لا.

 

نعم لقد استطاعت إيران أن تنفذ الى قلوب اللبنانيين من باب نصرتهم على الإرهاب والاحتلال وعرض عليهم مشاريع تنمية ظهرت بعض أثاره في الجنوب اللبناني في ورشة إعادة إعمار لبنان بعد حرب تموز التي تولّى إدارة الهيئة الإيرانية المساهمة في هذه العملية الشهيد حسن الشاطري المعروف لبنانيًّا بـ "حسام خوش نويس".

 

إلى ذلك تبقى المصطلحات الرسمية الإيرانية في التعاطي مع الواقع السياسي اللبناني مصطلحات مؤدبّة تشدد باستمرار على استقراره والمحافظة على أمنه، وعدم مصادرة قرار الأحزاب فيها حتى الّذين تلقوا الدعم الإيراني ضد الإرهاب والاحتلال "الإسرائيلي"، لأن إيران تُدرك جيّدا أنه لا مصلحة في دخولها في زواريب السياسة اللبنانية انطلاقا من السياسة المبدئية لها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وانطلاقا بان القرار الّذي يجب أن يُتخذ في أي بلد يجب أن يراعي التوافق بين أطرافه، الحوار والقواعد الديمقراطية فيه ولا شيء تخشاه إيران من قواعد التعامل هذه. أما ما نُقل عن تصريحات الرئيس روحاني بأن "لا قرارات مصيرية تتخذ في المنطقة دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الإيراني"، ليس موضع ذمّ لأن كلام روحاني جاء في إطار السياسة الإيرانية العامة لجهة عدم التّدخل في الشون الدّاخلية لدول المنطقة، أما الشؤون المصيرية التي تُعنى بها المنطقة كمحاربة الإرهاب والاحتلال والوحدة بين المسلمين والتآلف بين شعوب المنطقة فهي حاضرة بشكل دائم على مائدة السياسة الإيرانية والمطبخ السياسي للجمهورية الإسلامية.

 

على المقلب الآخر، وبدون أيّ "مواربة" تطغى الحالة الديكتاتورية في السعودية وحكم الشخص في هذه الفترة، بعد الانتهاء من حكم العائلة في أعقاب حملة الاعتقال في صفوف أمراء آل سعود، على العلاقات السياسية بين السعودية ومختلف الدّول. فالسّعودية التي لا تملك سوى مال البترودولار الّذي يقدّم جزء منه للسيّد الأمريكي كأوراق اعتماد، تعتقد أنّها بإمكانها معاملة الدول كالعبيد انطلاقا من الديكتاتورية الموجودة فيها. وللأسف، فالصراعات المستمرة في المنطقة دمّرت اقتصادات الدول وجعلت بعض الدول عبيدا طيعين للسعودية أو الأحرى للمال السعودي، ومن هنا أصبحت السعودية تربط عطاءاتها بأن يكون الطرف الآخر طيّعا لأوامرها.

 

لا شكّ أن هناك دولا تجاري السعودية في سياستها انطلاقا من المادة الخام لهذه السياسة وهي الديكتاتورية، إلّا أن بعض الدول الغنية كقطر (وإن كان الحكم فيها عائلي) لم تخضع للإرادة السعودية بسبب عدم حاجتها للمال السعودي كما أن الدول التي تنتشر فيها مفاهيم الديمقراطية السياسة وليس الاقتصادية ترفض الخضوع لهذه السياسة كما هو الحال مع لبنان الّذي يمتلك مؤسسات ديمقراطية لا يخرج القرار في هذا البلد عنها كما أنه لا يطبّق أي قرار فيه بناء على أوامر ملكيّة.

 

بناء على هذا، نستطيع فهم الغضب السعودي من لبنان بشكل عام ومن حكومته وهو الأمر الذي قاله بوضوح وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج الفارسي، ومن هنا نستطيع أن نفهم ايضا التدخل السعودي حتى في شأن "قطع بث" المقابلة التلفزيونية أو المسرحية التي قدّمها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري منذ يومين بسيناريو سعودي رديء، عدا عن الإساءة التي لا سابقة لها في تاريخ العلاقات بين الدول حيث تم إجبار رئيس حكومة لبنانية على تقديم استقالته على أرض سعودية وليست لبنانية. التدخل السعودي هذا في تفاصيل الحياة السياسية في لبنان والتي قد لا ينتبه لها المواطن اللبناني في بعض الأحيان لا تستند إلّا تهديد بقطع العطاءات حتى لأنصار السعودية في لبنان وربّما فرض عقوبات اقتصادية على لبنان بما جعل شريحة واسعة من الشعب اللبناني حتى من المناصرين لرئيس الحكومة سعد الحريري يشعر بالغضب من التدخل السعودي السافر في البيت اللبناني.

 

في النتيجة، يمكن القول إنه بين النفوذ الإيراني في لبنان المبني على تقديم الدعم لهذا البلد لتخليصه من الإرهاب والاحتلال وعرض مشاريع التنمية عليه بهدف رفاهية شعبه، وبين التدخل السعودي في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية المستند الى التهديد الفوري بقطع المعونة عنه كحال الهبة المقطوعة عن الجيش اللبناني، مصطلحين اثنين ؛ أدب وقلة أدب في التعاطي مع شعب لبنان خاصة وشعوب المنطقة بشكل عام.

 

وكالة تسنيم

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.