كيف اتقن الجيش العربي السوري مناورة فك الطوق عن مواقعه المحاصرة؟

51

شارل أبي نادر – عميد لبناني متقاعد

قد يكون الجيش العربي السوري من اكثر الجيوش التي تضمنت معاركها عمليات فك حصار عن مواقع كان يحاصرها اعداؤها، وحيث كانت تلك المواقع محاصرة بطريقة مُحكَمة، اولاً لناحية وضعها تحت الطوق الكامل، وثانيا لناحية تنفيذ المحاصرة بواسطة عدد كبير من العناصر المجهزة بقدرات وبتقنيات عسكرية ليست بسيطة، وثالثا لناحية بعدها الجغرافي عن القوات الصديقة. فإن نجاح الجيش العربي السوري الدائم في فك الحصار عن اغلب تلك المواقع سيسجل كظاهرة لافتة في التاريخ العسكري، وربما ستدخل مناوراته في تلك العمليات في تقنيات تدريب الجيوش وفي العلم العسكري بشكل عام.

دير الزور تتحرر.. وبشارة الانتصار على وجوه المقاتلين

لقد اتقنت وحدات الجيش العربي السوري مناورة فك الحصار عن المواقع المحاصرة، حيث انها اختبرت هذا النوع من العمليات العسكرية الخاصة والتي تتميز بالخطورة وبالحساسية وبالدقة، في العديد من المواجهات التي خاضتها على كامل مساحة الارض السورية، ويمكن ذكر اهمها على الشكل التالي:

فك الحصار عن احياء حلب الغربية

– بعد اقدام الارهابيين على محاصرة احياء حلب الغربية، والتي كانت تعتبر الموقع الوحيد في حلب واريافها تحت سيطرة الجيش، باستثناء مدينتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، عمدت القوات الحكومية السورية في بدايات العام 2013 الى شق طريق تجاوز طوله المئتي كلم في منطقة عدوة تنتشر في اغلبها المجموعات المسلحة، وذلك انطلاقا من ريف السلمية في حماه مرورا باثريا وخناصر حتى الاحياء الغربية المحاصرة في المدينة، وكانت تحميه دائما هذه القوات الحكومية بطريقة لافتة على هذا الامتداد الواسع والخطر، وحيث كان هذا الطريق يتعرض دائما لهجمات ومحاولات لقطعه، من قبل وحدات داعش في شرقه بين ريف الرقة الغربي او ريف حلب الجنوبي الشرقي، او من قبل المجموعات الارهابية الاخرى غربه، في ريف حلب الجنوبي الغربي او ريف ادلب الشرقي، وقد نجحت عبره وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه في فك الحصار عن احياء حلب المحاصرة وساهمت بذلك في تكوين قاعدة انطلاق ونقطة ارتكاز، أسست لاحقا لاستكمال تحرير حلب واريافها في معركة استراتيجية شكلّت مفصلا مهما في افشال الحرب على سوريا.

– معركة فك الحصار عن مطار كويرس

في اوائل شهر نوفمبر 2015، انطلقت وحدات خاصة من الجيش العربي السوري باتجاه كويرس المحاصرة عبر محور اساسي من السفيرة جنوب شرق حلب، وبطول اكثر من عشرين كلم في ارض عدوة تنتشر فيها عناصر داعش، تمكنت خلالها هذه الوحدات بعد معارك عنيفة جدا، من اختراق دفاعات وتحصينات التنظيم وفك الحصار عن المطار، مستفيدة من كثافة نارية مدفعية وصاروخية، ومن تغطية جوية كاسحة.

– معركة فك الحصار عن نبل والزهراء

في فبراير من العام 2016 انطلقت وحدات خاصة من باشكوي في ريف حلب الشمالي، وبعملية اختراق صاعقة لم تتجاوز الثلاثة ايام، تم تحرير بلدتي حردتين ومعرستة الخان وصولا الى ملاقاة وحدات اللجان الشعبية في نبل والزهراء ليتم فك الحصار عن البلدتين المحاصرتين، في واحدة ايضا من اخطر وادق العمليات الهجومية الخاصة، عبر اختراق بلدات ومواقع مهمة وحيوية للارهابيين في الريف الشمالي لحلب.

– معركة فك الحصار عن دير الزور

تتميز المعركة الاخيرة بالامس ( 5-9-2017 )، والتي فُكّ الحصار خلالها عن احياء اساسية من مدينة دير الزور بعد ان كانت تحاصرها داعش لثلاث سنوات خلت، تتميز بدقتها وبصعوبتها وباهميتها، وبعد ان قطعت وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه مسافات شاسعة في البادية، متجاوزة الكثير من المواقع المحصنة لداعش، والمحمية بالجبال وبالمحاور الالزامية المسيطر عليها بالنار وبالاسلحة المتطورة، والمزنرة بالعبوات الناسفة وبالالغام، وصلت تلك الوحدات مع الحلفاء الى مشارف اماكن انتشار اللواء 137 غرب دير الزور، وتم ربط أحياء المدينة المحاصرة مع العمق الواسع لسيطرة الجيش العربي السوري في البادية وامتدادا الى المدن السورية الكبرى. وها هي دير الزور اليوم بامان وبحماية الجيش، الذي تتحضر وحداته لفك الحصار عن المطار ولتثبيت نفسها في النقطة الاكثر استراتيجية في الشرق السوري.

وصول الجيش السوري والحلفاء الى دير الزور

من هنا تأتي اهمية هذه العمليات التي هدفت الى فك الحصار عن مواقع للجيش العربي السوري كانت محاصرة من قبل المجموعات الارهابية، وهي بقدر ما حققت للجيش من نقاط حيوية واستراتيجية في معركته الواسعة ضد الارهاب، والتي يبدو انها في نهاياتها بعد الانتصارات الاخيرة على الارهابيين بكافة تسمياتهم، فهي تعتبر علامة فارقة في العلم العسكري وفي تقنيات العمليات الهجومية الخاصة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.